جمعة مباركة على الجميع!
الحمد لله أولاً وأبدا - وصلنا إلى ٣٠٠ مشترك الآن! شكراً شكراً شكرا! وبكل صدق وأمانة، الأمرلا يتعلق بالأرقام؛ بل بالمحبة التي نتشاركها تجاه الصور، وهذا كله يعني لي الكثير، ولهذا فأنا ممتنة من كل قلبي.
فكّرت كثيرًا هذا الأسبوع الماضي في ما سأكتبه، وفي ما سأبحث عنه. وأظن أن هذه هي اللحظة التي تصبح فيها الأمور مشوقة، صح؟ لحظة التساؤل عمّا ستكون عليه التدوينة التالية، ولحظة التساؤل إلى أين قد تأخذني هذه الرحلة. قد يظن البعض أنني أخطط لكل شيء مسبقًا، لكن في الحقيقة أنا لست من مبدعين التخطيط. كثير ما في بحثي، أترك الأمور تأخذ مجراها، وأدع الله أن يلهمني. حدسي هو ما قادني طوال حياتي، وحتى الآن لا يزال يقول لي: احرثي في الأرشيفات.
واليوم، شعر حدسي بشيء من الحنين إلى الوطن. ليس شعورًا سلبيًا، ولست أقول ذلك طلبًا للتعاطف، بل كوسيلة للاتصال. هذه الموجات تأتي وتذهب، واليوم، ها هي عادت من جديد. سابقاً، كنت أقاوم هذا الشعور، أحياناً أغضب من نفسي عندما أشعر بها، لأنني كنت أعتبرها ضعفًا. أشعر ببعض الحرج وأنا أقول هذا، لكنني تعلّمت أن أقبل ضعفي؛ لأن المعاناة جزء من الحياة، ومن التجربة، ومن الغوص في عمق الروح، ومن معرفة الذات بشكل أعمق من أي وقت مضى.
الحقيقة هي كالآتي: هذا قضاء الله وقدره، ولو لم أبتعد عن وطني، لما اقتربت منه بهذه الصورة. لما كنت دخلت هذا المجال الجميل. وها أنا الآن، كأنني أجلس على أرجوحة، أرتفع وأهبط باستمرار. في اللحظات التي أكون فيها عالية في السماء، أشعر بالحرية، والفرح، والامتنان لكل ما أنعم الله به عليّ. وحين أهبط، أرى ما فاتني – تجمعات الأسرة، لقاءات الأصدقاء، الحفلات، الأعياد – فيغمرني الحزن.
لكني أعلم أحتاج أن أدفع الأرجوحة لأعلو من جديد.
فبعض الناس يتحدثون مع أصدقائهم أو أسرهم عن حنينهم، والبعض الآخر يمارس نشاطًا ما، وهناك من يكتب الشعر (يا ليتني شاعرة!) أما أنا، فألجأ إلى الصور. أنظر إلى وجوه أناس لا أعرفهم، ومع ذلك شيء ما بداخلي يقول لي بأنني أحبهم. أشعر بقرب غريب منهم، برابطة لا تُكسر ولا يمكن تفسيرها. تمنحني الصور نوعًا من الراحة. أشعر وكأنني حاضرة معهم، وكأنني لم أغب عن لحظاتهم. ولهذا، أشارككم هذه الصور.
طريقتي بسيطة جدًا ليس بها تعقيد – أُقلّب وأُقلّب صفحات الأرشيف، حتى أشعر بانقباض في صدري. حينها، أعلم أن هذه الصورة تستحق التوقف عليها والتأمل بها.
واليوم، كانت هذه أول صورة:
رجل يبيع التمر في الشرقية عام 1947م. التقطها هارولد كورسيني ، ومذكور في الأرشيف بأن التقطت في شهر سبتمبر. لا أعلم تحديدًا ما الذي شدّني، لكن نظرة وجهه جعلتني أتوقف. تساءلت عن حياته – كم عدد الأشخاص الذين كان يعولهم؟ هل كان يبيع التمر جيدًا؟ وانظروا إلى التمر – كيف هو مغلف ومصفوف. هكذا كان أجدادنا يفعلون. هكذا كانوا يحفظون التمر ويسمى بالمكنوز.
المكنوز بصراحة من السهل السفر به. أحيانًا، من الصعب تمرير السكري عبر الحدود، لذلك يكون المكنوز هو الخيار الأذكى. وممكن تكون هذه معلومة غير مهمة لكنها طريفة، فقد أفطرت عليه صباح اليوم، وربما لهذا جذبتني الصورة. ولكن أيضًا تلك النظرة المتعبة في عينيه... لا أعلم هذا النوع من التعب شخصيًا، لكنني أتفهمه. كل ما يمكنني فعله هو أن أتمنى له السلام، وأن يكون هو وعائلته بخير.
توقفت قليلًا، ثم واصلت تصفح الأرشيفات. حدسي كان يقول لي: تابعي.
ووجدتها، صورة في أرشيف مجلة LIFE التقطها المصور جيمس بيرك عام 1961م، على الأرجح خلال زيارته للرياض.. أشعر وكأنني جالسة معهم، أشاركهم الطعام. رغم أننا نعلم جميعًا أن هذا ما كان ليحدث في الواقع – لأنهم ليسوا محارمي… لكن الفكرة بحد ذاتها… بأنني أجلس مع من أحب حاضرة. ما تنقله هذه الصورة من دفء وقرب أمر لا يُوصف. والله، لا أستطيع أن أشرح لكم كم أفتقد الجلوس على الأرض، في دائرة، نأكل من طبق واحد. لا يوجد شي يماثل هذا الشعور. أكثر شي أشتاق إليه في هذه اللحظة هي ريحة الليمون عندما تعصر على الرز… والطعم - آه يا الطعم!
انتقلت مرة آخرى إلى أرشيف آخر…
ووجدتهن: نساء التقطت لهن جيرترود بيل صورة. لقد رحلن منذ زمن بعيد. التقطت الصورة في 29 يناير 1914م، بالقرب من وادي الطُبيق. أنظر إلى وجوه النساء – يا للقصص. المرأة في أقصى اليمين تضحك، تلك التي خلفها التي تبدوا وكأنها شبح، والطفل (أو طفلة؟) ينظر بتوجس، والمرأة في المنتصف تنظر مباشرة إلى العدسة بنظرة تشعرك وكأن بينكما حديث. صورة مليئة بالتفاصيل - ويا لجمال مقل هذه الصور… أُفكِّر كثيرًا في ما كانوا يتحدثون عنه – كيف كانوا يمارسن حياتهن اليومية؟ ليتني أعرف… في هذه اللحظة تذكرت خالاتي رحمهن الله…
يالله انك ترحم جميعهم برحمتك.
ويخطر في بالي هذا أيضًا عندما أرى صور الاحتفالات – مثل تلك الصورة الموجودة في أرشيف ويلفريد ثيسجر، حين كان محظوظًا بشهود تلك المناسبة. انظروا إلى هؤلاء الرجال في النماص. التقطت الصورة في يومي ٩ و١٠ يونيو عام ١٩٤٦. يشير الأرشيف إلى أن المناسبة كانت "ختانًا"، وأن الصبية يركضون أمام صفوف الرجال. شخصيًا، لا أركز كثيرًا على السبب، بقدر ما يلفتني المشهد – الحركة الملتقطة في الصورة مثالية.
الحمدلله يا رب… اشعر الآن أن الحنين قد خفّ قليلًا، وربما سأقضي بقية نهاية الأسبوع في تصفح الأرشيفات، وقراءة ما يمكنني العثور عليه من وثائق، وتأمل الصور التي تقع عليها عيني – لأنني دوما أحاول أخطو خطوة أقرب إلى الوطن.
❤️❤️❤️
تعبيرك قريب للقلب، ودائمًا أشعر بالحنين وحتى وانا بالوطن! ♥️