مرحباً بكم جميعاً وأهلا وسهلاً
الجو الأيام السابقة في برلين لا يشبه يوليو المعتاد—السماء ملبدة وممطرة، والحرارة ما بين 17 إلى 22 درجة. ومع هذا الجو المتقلب، فضّلت البقاء في البيت، أتصفح ملفاتي، أو أعود إلى ألبوم الصور على جوالي—أحد الطقوس الأخرى التي أمارسها (اعتقد الكثير مننا يفعل ذلك!ّ)
مع تصفحي، صادفت صوراً التقطتها في ورشة حضرتها الأسبوع الماضي عن التصوير، وفكرت: لم لا أشارك هذه التجربة؟ صحيح هناك الكثير من المواضيع التي أودّ الكتابة عنها، لكن هذه التجربة تحديداً بقيت عالقة في ذهني واثرت علي الكثير، فلما لا؟
تمام! سأحكي لكم القصة والتي بدأت قبل حوالي شهر، عندما كنت أتصفح الانترنت بشكل عشوائي، ووجدت إعلاناً لورشة بعنوان The Magic of Analouge Photography على موقع The Makery. من يعرفني يدرك جيداً شغفي بالتصوير، لكن في الواقع، لطالما ترددت في التعمق في النواحي التقنية. نعم، أعرف كيف أمسك الكاميرا واصور، لكن تجربة المصوّر الحقيقية—بكامل تفاصيلها وتقنياتها ومراحلها—كانت دائماً تبدو بعيدة عني. لطالما شعرت أن مكاني خلف الصورة، كمحللة وكاتبة، لا كمصورة. لكنني أدركت أنني لا أستطيع أن أكتب عن المصورين وتجاربهم بكل عمق، دون أن أمرّ ولو لمرة واحدة بما يمرّون به داخل الغرفة المظلمة.
وهكذا، قررت التسجيل.
الورشة كانت يوم السبت، مدتها ست ساعات، ومدرسنا كان رجل لطيف اسمه أندرياس. اندرياس مصوّر محترف وعضو في أحد التجمعات الفوتوغرافية في برلين. من الحماس يبدو أنني وصلت قبل الوقت بخمس عشرة دقيقة، وكنت متوترة قليلاً، لكن أندرياس كان لطيفاً جداً وسهل الحديث معه، وتحدثنا عن الكاميرات حتى بدأ بقية المشاركين بالوصول.
بدأنا بتقديم سريع، ثم عرض علينا أندرياس أول كاميرا—إحدى أقدم الكاميرات المحمولة التي صُممت للاستخدام اليومي في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي. عندما ناظرنا إلى الكاميرا، تخيّلت كيف كانت الحياة أسهل على الناس حين أصبح بإمكانهم حمل الكاميرا معهم، بدلاً من التعامل مع معدات ضخمة تستدعي التعتيم الكامل لرؤية المشهد. المذهل أن أندرياس وبعض من زملائه قاموا بترميم الكاميرا بنفسهم، وأعادوها للحياة، وهذا ما جعلني أفكر كم من الأشياء نرميها لأنها لم تعد تعمل، مع أنها في الحقيقة قابلة للإصلاح.
هذه من الأمور التي تعلمتها بعد ما نقلت إلى برلين. لكل شيء حياة ثانية، وربما ثالثة. فهناك رابط عجيب وعاطفي في لمس آلة حملها آخرون قبلك، وربما ستبقى حتى بعد رحيلك من هذه الدنيا.
تعرفنا بعدها على كاميرات أخرى، إحداها كانت Konica Hexar FR، وهي كاميرا كلاسيكية مفضلة لدى كثير من المصورين، لأنها تعمل مع عدسات لايكا (التي تعتبر من أفخم أنواع العدسات)، لكنها أقل تكلفة بكثير. سألته متى يستخدم المصور مثل هذا النوع، فشرح لنا فكرة "الـ Rangefinder" أو محدد المدى، وهو أسلوب تركيز بصري قديم: ترى صورتين غير متطابقتين في العدسة، وتحرك الحلقة حتى تندمجان تماماً—وهكذا تُضبط الصورة. كان هذا النظام شائعاً في الكاميرات قبل السبعينات، وذكرني فوراً بالمصورين في منطقتنا.
أول من خطر ببالي كان إيلو باتيجيلي. لطالما كانت صوره تحمل سحراً خاصاً. إحدى صوره المفضلة لدي التقطها بين عامي 1945 و1954، تُظهر شُوعيّاً مع غواصين يمسكون الحبال في رأس تنورة. دقة الصورة وتفاصيلها مدهشة. وتخيّلت كم من الصبر والمهارة احتاجه ذلك المشهد، وهو يحاول أن يضبط العدسة ويلتقط اللحظة المناسبة.
بعد هذا التقديم، طلب منا أندرياس اختيار كاميرا والخروج بها للتصوير في حي نويكولن. اخترت كاميرا Pentax فوراً، لأنها كانت صغيرة وتناسب يدي. خرجنا نصوّر في الشوارع، وفعلاً استمتعت كثيراً، رغم أنني انتهيت من التصوير بسرعة (ربما تحمست كثيراً) .
عدنا إلى الاستوديو حوالي الساعة الثانية ظهراً، وبدأنا في الخطوة التالية: تحميض الفيلم. شرح لنا أندرياس كيف نغيّر الفيلم ونضعه في خزان خاص دون أي ضوء. كان يشرح أدوات التحميض والمواد الكيميائية، وفي الحقيقة لم أتوقف عن التفكير بالمصورين الذين اعتادوا القيام بكل هذه الخطوات يدوياً.هنا استوعبت - التصوير ليس مجرد كبسة زر. هو علم، وتذوق، وصبر، وحسابات دقيقة. مشاهدة أندرياس وهو يعمل كانت أشبه بعرض فني صامت
ثم قال: "أهلاً بكم في الظلام." ووجدنا انفسنا في غرفة معتمة تماماً. الغريب أنني لم أشعر بأي انزعاج—بل بشيء من الطمأنينة. أندرياس أخبرنا أن كثيراً من المصورين في برلين يفضّلون التحميض شتاءً، حيث يقضون ساعات طويلة وحدهم في الغرفة المظلمة، وكأنها نوع من السبات. لا شاشات، لا أحاديث، لا شيء سوى الفيلم وأفكارك. في ذلك الظلام، شعرت بحاجة عميقة إلى هذه العزلة.
عندما خرجنا، كانت أفلامنا جاهزة للتحميض النهائي. علّقناها لتجف، وانتظرنا حوالي عشرين دقيقة. بعدها، بدأنا في اختيار الصور التي نرغب بطباعتها. كثير منّا التقط صوراً للآخرين، فكان في الأمر شيء جميل ومشترك.
لن أتعمق هنا في تفاصيل الطباعة (ربما أكتب عنها لاحقاً)، لكن ما شدّني هو كم أن الأمر يحتاج إلى دقة في الحساب: توقيت، تركيز كيميائي، توازن بين الضوء والظل... مرة أخرى، تذكّرت المصورين القدامى الذين كانوا يضبطون كل شيء يدوياً، وكأنهم كيميائيون حقيقيون.
استخدمنا آلة تكبير لتسليط صورة السالب على ورقة حساسة للضوء، ثم غمرنا الورقة في المحاليل، وفجأة—بدأت الصورة تظهر ببطء، وكأنها سحر خالص.
أعتقد أن الكثيرين اليوم يختزلون التصوير في لقطة هاتف أو صورة جواز سفر، شيء سريع ومباشر. لكن الصدق أعمق من ذلك - التصوير عملية، محاولة لترجمة ما نراه إلى شيء ملموس، وتجميد لحظة كما رآها المصور بعينه وروحه. تذكرت مجدداً باتيجيلي، وحتى أرنولد هايم، الجيولوجي السويسري الذي صوّر منطقة الأحساء عام 1924م. تخيّلت التحديات التي واجهها: الكاميرات الضخمة، التركيز اليدوي، ظروف الطقس... وكل هذا ليحصل على لحظة واحدة فقط.
ثم أضاء أندرياس الضوء، وظهرت أول صورة مطبوعة والتي كانت صورتي. وبكل صراحة - أعجبتني كثيراً لبساطتها. قد يراها البعض عادية، لكنها بالنسبة لي شهادة على الصبر، والدقة، وعدم استعجال النتائج. وهناك متعة لا توصف في الانتظار.
عند الانتهاء من طباعة صور الجميع، كانت الساعة تقارب السابعة مساءً. كنا مرهقين، لكن سعداء بشكل لا يوصف. الورشة تجاوزت كل توقعاتي. وإن كنت أحب التصوير والصور من قبل، فقد خرجت من هذه التجربة عاشقة له بشكل جديد. فمثل ما ذكرت سابقاً - الصورة عمل فني متكامل، يُبذل فيه جهد حقيقي لنقل وجهة نظر المصوّر، وإيصال صوته.
وفي صباح الإثنين التالي، وجدت نفسي أبحث في متاجر برلين عن أول كاميرا انالوق لي، واخترت: Minolta X-300.
ربما هذه هي بداية علاقة جديدة مع التصوير، أكثر عمقاً وهدوءاً وصدقاً. ومن يدري، لعلني في يوم ما أكون جزءاً من الصورة، وليس فقط من يرويها…
ما شاء الله تبارك الرحمن 🌷 ألف مبروك.. المثل يقول (بتصرف) لدغتك حشرة الشتر
You've been bitten by the shutter bug
متعة التصوير الفوتوغرافي بالرحلة كاملة، وليست فقط عند مشاهدة الصورة
😊
https://www.65wz.org/p/4d6